خواطر ناشطة ضد عقوبة الإعدام بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام
12th October 2015
بناءً على قناعات راسخه في وجداني، كنت وما زلت من المدافعين عن حق الإنسان في الحياة، وأن ينعم بالكرامة المتأصلة فيه، ولم أتوانى في يوم من الأيام عن المشاركة في الفعاليات التي تدعو إلى مناهضة عقوبة الإعدام، بل ولم أقبل كناشطة أن يبرر الحكم أو تنفيذ هذه العقوبة تحت أي ظرف من الظروف أو بأي وسيلة من الوسائل، وقد عملت خلال حياتي العملية على تشكيل تحالفات على المستوى العالمي والإقليمي والوطني من أجل تقنين الحكم بهذه العقوبة ووقف تنفيذها على المحكومين بها لإعطائهم فرصة لعيش حياتهم دون الخوف من سلبها ولإعطائهم فرصة للتصالح مع ضحاياهم ومع مجتمعهم ولإيجاد بدائل فعالة وعادلة لعقوبة الإعدام.
ومع كل هذا النشاط الذي أبذله والذي كان مبنياً على المبادىء الأخلاقية والقانونية لحقوق الإنسان، إلا أنني لم أعش تجربة المحكومين بالإعدام إلا خلال زيارتي لأحد السجون في الفترة الأخيرة والتي أحببت أن أشارككم مشاعري بعدها، وخاصة حينما دخلت إلى غرفة تنفيذ الإعدام ورأيت وسمعت عن تجارب التنفيذ وأحوال المحكومين بالإعدام وهم يسيرون إلى هذه الغرفة أو حينما ينتظرون كل ليله أن يتم إدخالهم إلى هذه الغرفة لتنفيذ أحكام الإعدام بهم، فازددت إصراراً على إصراري أن أبقى مدافعة عن حق الحياة وعن حقوق الأشخاص المحكومين بالإعدام وأن أشارك في تعزيز الإصلاحات التي تؤدي إلى إلغاء هذه العقوبة من كل القوانين العقابية.
شعور غريب مخيف انتابني وأنا أدخل إلى غرفة تنفيذ أحكام الإعدام والتي يتألف الجزء الرئيسي منها من منصة بها فتحة ومعلق بها حبل – هذا الحبل الذي يتم اختياره بعناية للتأكد من أنه سينهي مهمته ومعها حياته (الحبل لأنه يستعمل مرة واحدة فقط) دون أن ينقطع او يعطي فرصة للمحكوم بالنجاه- وقفت على المنصة وفوق الفتحة وأنا أرجو أن لا تنفتح فاسقط بين أرضية الغرفة وحبل الإعدام وانتابي الخوف من هذا الموقف الرهيب، وحينها فكرت وأنا التي تزور ومتيقنة أنني سأخرج من هذه الغرفة سالمة محاطة بالحراسة من كل جانب خوفاً من أن أتعرض لكلمة أو سؤال تجرح شعوري، فكرت وأحسست بالمحكوم الذي يتم إحضاره إلى الغرفة وتجهيزه لانتزاع حياته كيف يختلط لديه حب الحياة بمشاعر الخوف، وكيف يكون شعور من ينفذ حكم الإعدام.
مدير السجن الذي استضافني وفريق زائر معي لتفقد أحوال السجون لم يوافق على زيارتنا أو مقابلتنا لأحد من المحكومين بالإعدام، ليس لغاية الرفض، ولكن لأننا أحسسنا أن هذا المدير المكلف بمرافقتنا يعلم جيداً بحكم عمله وخبرته أن هذه الزيارة سيكون لها انعكاسات رهيبة مخيفة على المحكومين، فهم لن يصدقوا أن زيارتنا عابرة بل سيظنون أن موعد التنفيذ قد حان وأن الزيارة هي للمواساة وتحضيرهم لإنهاء حياتهم، وبعد الزيارة ومهما شرحنا لهم وتعاطفنا معهم فإنه سوف يقضون أياماً وليالي يبعدون النوم عن أعينهم خوفا من أن يناموا فيصحوا على حركة تسير بهم إلى منصة التنفيذ، إن المحكوم بالإعدام لا ينام مطلقاً قبل الفجر لأنه يعلم أن التنفيذ يكون عادة بعد الفجر بقليل فهو يمضي الليل ساهراً خائفاً منتظراً ما يقدمه له المجهول، والمحكوم بالإعدام يخاف من كل حركة أو صوت قريب من زنزانته لأنه يعتقد أن هذه الحركة أو الصوت هو صوت النهاية والحركة إلى التنفيذ، والمحكوم بالإعدام يفقد التركيز فهو يفكر بالانتحار كل يوم مائة مرة قبل أن تحين ساعه لا يملك فيها التفكير، قلبه وعقله ووجدانه موجه للتفكير ببارقة أمل أن يراجع حكمه في يوم من الأيام وأن لا يكون أول من ينفذ فيه الحكم في اليوم التالي.
خواطر لا يمكن أن يعيشها إلا من عاش انتظار الأمل في الحياة الذي سوف أبقى ما بقي لي حياة مدافعةً عنها.
تغـريـد جـبـر
المديرة الإقليمية لمكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
المنظمة الدولية للاصلاح الجنائي